بقلم دعاء الخطيب – الأردن
أرادَت أن تكتبَ مجدّدًا، ولَٰكن، لم يُعجبها لونُ حبرِ القلمِ الّذي كانت قد اختارتهُ للكتابةِ؛ فَـ مزّقَت الورقةَ، وبدأَت من جديدٍ…
مجدّدًا، مزّقَت الورقةَ مرارًا وتكرارًا؛ فَـ مرّةً لا تعجبُها المقدّمةُ ومرّةً ترتجفُ يدُها لا تدري ما تكتب! وهَٰكذا حتّى استقرّت أخيرًا…
بعدَ تجميعةٍ مَهولةٍ من الأوراقِ الّتي تحتاجُ إلى إعادةِ التّدوير!
“المهمّ”.. قبلَ بِضعةِ أشهرٍ، قرّرَت أن تعودَ مجدّدًا للكتابةِ بعدَ انقطاع!
لَٰكن، حدثَ ما لم يكُن أبدًا بِـ الحُسبانِ؛ فقدَت أمَّها بعدَ ثلاثةِ أيّامٍ فقط من قرارِها..
وعادَت إلى عُزلتِها الرّوحيّة..
كلَّما أمسكَت القلمَ؛ نزفَ على فقدِ أمِّها! وها هي الآنَ تحاولُ تغييرَ الموضوعِ، ولَٰكن للقلمِ رأيٌ آخر…
(لو كانَت أمّي هنا؛ فَـ عن ماذا كانَت سَـ تفضّلُ أن أكتبَ يا تُرى؟ لا أدري!
ولَٰكن، كلُّ ما أعرفُهُ أنَّها سَـ تكونُ فخورةً بي مهما كتبْتُ!)
ابتسمَت ونظرَت إلى بابِ غرفتِها؛ حيثُ اعتادَت أمُّها أن تقفَ حينَ تُحادثُها، حبسَت دمعةً وأخذَت نَفَسًا وحَنَت رأسَها حيثُ الورقةِ والقلم…
رفعَت رأسَها مجدّدًا…
(هناكَ حكمةٌ من كلِّ ما يحدث.. ربَّما لم أعرفْها بعد.. وربَّما لن أعرفَها.. ولَٰكن، هناكَ حكمة!)
عادَت للمقدّمةِ من جديدٍ، تقرؤُها؛ علَّها تساعدَها في إكمالِ ما تكتب…
(عن ماذا أكتبُ يا قلمي؟ ساعدْني! أَأكتبُ عن شعبٍ مُحتلٍّ يموتُ مرارًا قبلَ الموتةِ الأخيرة؟ أم عن حالٍ يعيشُهُ جيلُنا بينَ تيهٍ وبريقِ أملٍ؟ عن كلِّ ما يحدثُ في عالمِنا، يقودُنا إلى الجنون! أعلمُ أنَّكَ تأبى الكتابةَ إلّا عن أمّي… “ماما” الّتي كانَت دائمًا متفائلة.. ولا تنظرُ إلّا إلى الجانبِ المليءِ من الكأس…)
تنهّدَت وتركَت قلمَها؛ فَـ هي لا تعرفُ عمَّ تكتب… محقّةٌ هي.. عاشَت أيّامَها كَ أيِّ شخصٍ من جيلِها؛ حيثُ كانوا يحاولونَ جُهدَهُم حلَّ الكلماتِ المتقاطعةِ في صفحةِ الألعابِ في الجريدةِ..
وها هم اليومَ يحاولونَ جاهدينَ حلَّ الألغازِ الّتي يعيشونَها، من تطوّراتٍ ماانفكَّت تتزايد!
(لِمَ لا أستعينُ بِـChat GPT؟ باتَ الكلُّ يستعينُ بهِ؛ حتّى بِتْنا لا نفرّقُ بينَ شاعرٍ حقيقيٍّ وآخرَ إلكترونيّ!)
تتأمّلُ لوحةً معلّقةً فوقَ رأسِها على حائطِ غرفتِها الورديِّ؛ علَّها تُلهمُها لِمَ تكتب؛ فَـ هي لمْ تقتنعْ بعدُ بِـ الاستعانةِ بِـ التّكنولوجيا المطوّرة! فَـ قد عاشَت حُقبةً زمنيّةً أبسطَ وأجملَ ممّا تعيشُهُ الأجيالُ الحاليّةُ…
(لا زلتُ أتذكّرُ كيفَ كانَ الفرحُ يزورُنا حينَ نرى طائرةً في السّماءِ؛ نلوّحُ لها بِـ سعادةٍ غامرةٍ! كيفَ كانَ اللّعبُ بِـ التّرابِ مُتعةً كبيرةً! وكيفَ كانَ كلُّ شيءٍ واضحًا رغمَ قلّةِ الوسائلِ… حيثُ القيَمُ واضحةٌ، والمبادئُ واحدةٌ، والعدوُّ واحدٌ! أمّا اليوم، فَـ مَن أنا؟ ومَن أنتم؟ ومَن معي؟ ومَن ضدّي؟ وما هو الصّواب؟) ربَّما تشعّبَت في كتابتِها؛ لِـ أنَّها ما زالَت لا تعرفُ عمَّ تكتب.. ولَٰكن، المهم أنَّها عادَت من جديدٍ… عودةً… على أملِ لا انقطاع!