نظم نادي كترمايا الثقافي الاجتماعي ندوة بعنوان: “الشرق الأوسط الجديد ومواطن النفوذ والقوة المتغيرة بين الدول، وكيف يتعامل لبنان مع الأحداث”، شارك فيها كلٌّ من وزير الداخلية والبلديات الأسبق العميد مروان شربل، ورئيس تحرير جريدة اللواء الأستاذ صلاح سلام، والخبير القانوني في المفوضية الأوروبية الدكتور محي الدين الشحيمي.

وحضر الندوة عدد كبير من الوجوه السياسية وممثلي الأحزاب الوطنية في إقليم الخروب، إضافة إلى شخصيات أهلية وبلدية واجتماعية، وحشد من الأهالي.
رئيس النادي الأستاذ محمود يونس
بعد النشيد الوطني، ألقى رئيس النادي الأستاذ محمود يونس كلمة رحّب فيها بالمشاركين، مشددًا على أهمية هذا اللقاء، ومثنيًا على حضور العميد مروان شربل والأستاذ صلاح سلام اللذين لهما بصمات مميزة في العملين الأمني والإعلامي.
الوزير الأسبق مروان شربل
تحدث الوزير الأسبق مروان شربل عن الأزمات التي تشهدها المنطقة اليوم، مؤكدًا أن لبنان يشكل نقطة مهمة رغم هشاشته، وهو بلد مؤثر في التطورات الإقليمية.
وقال إن الولايات المتحدة وإسرائيل تعملان على إنشاء شرق أوسط جديد، حيث تعيش جميع دول المنطقة أزمات متشابكة ومترابطة.
الشرق الأوسط الجديد بين الوعد والوعيد
أوضح شربل أن مصطلح “الشرق الأوسط الجديد” يعني بوضوح تحديد شرق أوسط بملامح جديدة متوافقة مع أيديولوجيات وأهداف ومصالح جديدة، تدعمها قوة عسكرية واقتصادية قادرة على تشكيل خريطة جديدة للمنطقة كبديل عن الخريطة القديمة التي رسمتها فرنسا وبريطانيا في بدايات العشرينيات.
وأشار إلى أن هذا المصطلح عمره أكثر من خمسة عقود، وظهر بعد الحرب العالمية الثانية كتصوّر جيوسياسي غربي لرسم حدود النفوذ، وقد ارتبط لاحقًا بالتحولات الكبرى مثل حرب 1967، وأزمة النفط عام 1972، والثورة الإيرانية عام 1979، وانهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991.
ثم عاد ليبرز بقوة في التسعينيات مع مشاريع السلام العربي – الإسرائيلي، وأُعيد طرحه بعد غزو العراق عام 2003 وصعود فكرة “الفوضى الخلاقة” حتى عام 2006 حين طرحت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس رؤية إدارة الرئيس جورج بوش حول مستقبل الشرق الأوسط الجديد.
الدول المنضوية تحت مفهوم الشرق الأوسط
وأوضح شربل أن الدول الأساسية التي تنضوي تحت هذا المفهوم هي: شبه الجزيرة العربية (دول الخليج، عُمان، اليمن)، بلاد الشام (سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين، الضفة الغربية وقطاع غزة، العراق)، إضافة إلى دول أخرى حسب الحاجة مثل إيران، تركيا، ومصر.
وأكد أن الشرق الأوسط الجديد يطلّ من جديد في ظل الثورة الصناعية الرابعة وتغيّر موازين القوى الدولية، لكنه يبقى مشروعًا يُعد حلمًا للبعض، وكابوسًا للبعض الآخر، وواقعًا لمن يقرأ تحولات الميدان بتمعّن.
وختم شربل متسائلًا: “هل ولادته قريبة؟”، مشيرًا إلى أن ذلك مرتبط بإرادة القوى الكبرى، ولكن أيضًا بمدى قابلية شعوب المنطقة للتكيّف أو المقاومة، مؤكدًا أن ولادته ليست حدثًا فجائيًا، بل مسار متدرج لإعادة تشكيل الخرائط.
رئيس تحرير جريدة اللواء الأستاذ صلاح سلام
استهلّ الأستاذ صلاح سلام كلمته بالقول: “السيدات والسادة، أصدقاء الفكر والسياسة، أقف أمامكم اليوم لأتحدث عن قضية بالغة الأهمية، وهي التحولات الكبرى التي يشهدها الشرق الأوسط الجديد، وعن مواطن النفوذ والقوة المتغيرة في هذه المنطقة، وكيف يمكن للبنان أن يتعامل مع هذه التطورات في ظل واقعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي المعقد.”
وأضاف أن العالم يشهد زمنًا يتغير بسرعة مذهلة، حيث تُعاد صياغة الخرائط السياسية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة، ولم تعد “ثوابت المنطقة” قائمة، بل تهاوت أمام عواصف التحولات الكبرى من حروب واتفاقيات وتحالفات وصراعات طاقة وممرات وموانئ.
وأكد أن القوة في هذا الشرق الأوسط الجديد لم تعد تُقاس بعدد الدبابات أو الصواريخ، بل بقدرة الدول على التكيّف مع المتغيرات واستثمار موقعها وثرواتها وحماية وحدتها الداخلية.
لبنان عند مفترق طرق
اعتبر سلام أن لبنان يقف اليوم عند مفترق طرق: فإما أن يظل ساحة صراع إقليمي يقرر الآخرون مصيره، أو أن يتحول إلى لاعب متوازن يستثمر موقعه الجغرافي وثرواته البحرية ومجتمعه المتعدد، ليكون جسرًا بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب.
ملامح الشرق الأوسط الجديد
تحدث سلام عن أبرز ملامح هذا الشرق الأوسط الجديد، موضحًا أن الاتفاق الاستراتيجي بين الرياض وإسلام آباد جاء نتيجة مفاوضات طويلة، وأن توقيت الإعلان عنه بعد العدوان الإسرائيلي على الدوحة كان لافتًا لما له من تأثير على موازين القوى في المنطقة.
وقال إن هذه التبدلات تؤسس لما يمكن تسميته “الشرق الأوسط الجديد”، ولكن ليس بالمعنى الأميركي الذي روّجت له كونداليزا رايس عام 2006، بل بالمعنى الواقعي لتغيّر موازين القوى وخرائط النفوذ.
مواطن النفوذ والقوة المتغيرة
حدد سلام أبرز مراكز القوة الجديدة في المنطقة على النحو الآتي:
1. إيران: رسّخت نفوذها عبر محور “الممانعة” الممتد من العراق إلى سوريا ولبنان وغزة، وتملك أوراق قوة كبرنامجها النووي وقدراتها الصاروخية، لكنها تواجه تحديات اقتصادية وضغوطًا دولية.
2. تركيا: تتحرك بمرونة بين الشرق والغرب، وتسعى لتكريس نفوذها في سوريا والعراق وليبيا وشرق المتوسط، وتراهن على كونها ممرًّا للطاقة نحو أوروبا.
3. إسرائيل: رغم أزماتها الداخلية، ما تزال القوة العسكرية الأبرز، وتراهن على التطبيع لتثبيت موقعها، لكنها تواجه تحديات من غزة ولبنان ومن عزلة دولية متنامية.
4. الدول الخليجية: خصوصًا السعودية والإمارات وقطر، التي تستخدم نفوذها المالي والاستثماري لتعزيز دورها الإقليمي.
الرياض تعود كلاعب محوري عبر دبلوماسيتها مع إيران واليمن.
الإمارات تسعى للتوازن بين واشنطن وبكين وموسكو.
5. القوى الدولية:
الولايات المتحدة ما تزال فاعلة لكنها لم تعد اللاعب الأوحد.
روسيا عززت حضورها عبر سوريا والنفط.
الصين تدخل بثقل اقتصادي من خلال مبادرة “الحزام والطريق” والوساطة بين الرياض وطهران.
انعكاسات التحولات على لبنان
طرح سلام السؤال الأهم: كيف ينعكس كل ذلك على لبنان؟
وأشار إلى مجموعة من الملفات الأساسية:
1. الملف الأمني – العسكري: لبنان يبقى رهينة الصراع الإقليمي، وسلاح حزب الله عنصر قوة وردع لكنه يعرّض الدولة لضغوط خارجية.
2. الاقتصاد والطاقة: اكتشافات الغاز تفتح آفاقًا جديدة، لكنها تبقى رهينة التوازنات الإقليمية.
3. الدبلوماسية اللبنانية: تواجه تحدي التموضع بين المحاور أو اعتماد سياسة “النأي بالنفس”.
4. الوضع الداخلي: الأزمة الاقتصادية والانقسام السياسي يجعلان لبنان هشًا أمام أي تطور خارجي.
خيارات لبنان في التعامل مع الشرق الأوسط الجديد
عدّد سلام مجموعة من الخيارات الاستراتيجية أمام لبنان، منها:
1. تثبيت السلم الأهلي عبر عقد اجتماعي جديد يعيد الاعتبار للدولة.
2. تحييد لبنان عبر الحياد الإيجابي كما طرحه البطريرك الماروني سابقًا.
3. استثمار ثروة الغاز من خلال صندوق سيادي شفاف.
4. تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية وفتح شراكات استثمارية متنوعة.
5. إصلاح النظام السياسي من خلال قانون انتخاب عادل ولا مركزية موسعة.
السيناريوهات المحتملة للبنان
طرح سلام ثلاثة سيناريوهات مستقبلية محتملة:
1. الانهيار المستمر إذا بقي الانقسام الداخلي.
2. التسوية الداخلية إذا تم التوافق على عقد سياسي جديد.
3. التدويل إذا استمرت الأزمة من دون حلول، ما يجعل لبنان تحت وصاية دولية غير معلنة.
وختم بالقول: “الشرق الأوسط الجديد ليس شعارًا فارغًا بل حقيقة تتجلى يومًا بعد يوم.
الدول التي لا تعرف كيف تواكب هذه التحولات ستجد نفسها خارج التاريخ.
ولبنان، على صغره، لا يملك ترف البقاء متفرجًا، بل عليه أن يختار بين أن يكون ساحة صراع أو دولة فاعلة مستقرة.”
الدكتور محي الدين الشحيمي
أما الدكتور محي الدين الشحيمي، الخبير القانوني في المفوضية الأوروبية، فكان آخر المتحدثين، وتناول تاريخ التدخلات الخارجية منذ تأسيس لبنان الكبير واحتلال فلسطين وحتى اليوم.
وأشار إلى أن الدول الكبرى تعاملت مع الدول العربية على أنها ملحق سياسي واقتصادي منذ الحرب العالمية الأولى، لكن اليوم هناك تغيرات كبرى في النظام العالمي.
وأضاف أن ما يجري هو صراع بين دولة تعتبر نفسها الأقوى في العالم، وبين منظومة إقليمية جديدة، موضحًا أن الشرق الأوسط مقسّم إلى ثلاث مناطق: الاتحاد السوفياتي سابقًا، دول عدم الانحياز، والدول التي في صراع مع العدو الصهيوني.
كما تحدّث عن اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني الذي يعمل مع الصهيونية العالمية لإنشاء “البلد المزعوم”، مشددًا على ضرورة محاسبة مسؤولي هذا الكيان الغاصب من قبل الدول العربية والعالم الحر.
وختم بالقول إنّ الشرق الأوسط الجديد أو الكبير ليست مجرد تسميات، بل مشهد من التعديات المستمرة وولادة لاعبين جدد في المنطقة، مؤكّدًا أنه من دون قيام دولة فلسطينية لا يمكن أن يكون هناك شرق أوسط حقيقي.