بقلمكم

الأمل في مواجهة الخبيث

بقلم باسكال عيد

تعلو اليوم أمواج الحروب والأزمات حول العالم فتضرب المجتمعات في الصميم وتكتب كلّ يوم قائمة جديدة من الضحايا. وبين مدّ الانهيارات الاقتصادية و جزر الأزمات الاجتماعية،يواجه الانسان شتّى أنواع الأمراض.

وها هي الكورونا تتوّج نفسسها ملكة على الأمراض كافّة باعتبارها الأوسع انتشاراً والأكثر شهرة. لكنّها بالمقابل نسيت أنّ هناك من ينافسها في أصقاع الأرض كلّها. انّه الخبيث الذي ينمو في ظلمة الأوجاع ، ويتغذّى بالقهر اليوميّ ،فيتمكّن من فريسته ويحول جاهداً الانقضاض عليها ليلتقط أنفاسها الأخيرة.

ومن دون أن أسمّيه من المؤكد أنّ صفة الخبيث كافية للتعريف عنه! فهو صاحب اللقب منذ سنين طويلة ومن دون منازع! وصاحب اللقب هذا زار الكثير من البيوت وحطّ رحاله في عائلات عدّة وكان السبب الأول لتفرقة الأحباء… لكن في المقابل كان له العديد من المحاربين بالمرصاد.

نعم! إنهم محاربون! يستحقّون أوسمة الشرف! وفي لبنان هم مناضلون بوجه المرض أولاً وبوجه أزمة التفتيش عن دواء للعلاج وبوجه مجتمع غير داعم ، لا من الناحية النفسية ولا من الناحية الماديّة.فكيف يواجه أبطال مرضى السرطان مرضهم الخبيث في وطن “مريض” أصلًا؟ وكيف هم مصدر أمل وتفاؤل لذويهم؟ تراهم في أروقة المستشفيات، حملوا أوجاعهم ووقفوا ينتظرون دورهم للدخول. رؤؤسهم باردة وعارية لكنّ قلوبهم دافئة وابتسامتهم المشرقة خير دليل.منهم من حمل دواءه في كيس ودخل يلقي التحيّة وينشر الأمل في نفوس الموجودين.

-“اليوم موعد جلستي الأخيرة” يقولها واثقاً ومتفائلًا. ومنه من أعياه التعب فاستقرّ في آخر الرواق، ينتظر أن ينادوه بصمت. إنّ ما نراه كلّ يوم في المستشفيات يحثّنا على التفكير بالذين استقر المرض في جسدهم ويواجهون أزمة اختفاء أدوية العلاج من جهة وأزمة الغلاء الفاحش للعلاج.

إنهم يحاولون جاهدين التصدي لتداعيات المرض والعلاج. إنهم يحاولون قدر المستطاع تحمّل مجموعة الابر التي تخترق قلوبهم قبل عروقهم.

إنهم يحاولون الصمود بوجه التداعيات النفسية والتغيرات الجسدية. إنهم يحاولون أن يهزموا الموت المحتّم، والوجع القاسي بالأمل. إنهم يحاولون مواجهة الخبيث بالتفاؤل والايمان في بلد يشبه كل شيء ما عدا الأوطان! فلبنان يلملم جراحاته غير آبه لمواطنين أعياهم المرض وأبكتهم الظروف الاجتماعية والاقتصادية.

لذلك وكما كلّ الفئات في المجتمع، أصبح نضالهم للبقاء والاستمرار فرديّ. وهم رغم كلّ الوجع والمرض فإنهم نقطة الأمل البيضاء لذويهم. فمنهم يأخذون القوّة للإاستمرار والأمل للانتصار على المرض. إنهم الضوء الأقوى في عتمة الألم الأسود…

فمحظوظ من حظي بنور ولو خافت من هذا الضوء لأنّه اختبر الوجع الأقوى برؤية من يحبّ في مواجهة المرض و لكنّه في نهاية المطاف استلذّ بالانتصار وبربح فرصة جديدة مع الحياة.

وأمام كلّ هذه الوقائع لابدّ لنا أن نتذكّر كلّ الأرواح المناضلة التي خسرت معاركها باكرا و أن نقف متّحدين بالموقف الانساني مع المحاربين اليوميين الذين نشروا من عمق آلامهم زهور الأمل بالفجر الجديد.

Next Article:

0 %