بقلمكم

 لبنان بين جنون التضخّم والإنفصام الإجتماعي

باسكال عيد – صدى الإقليم

يحتلّ لبنان المرتبة الأولى بعد فنزويلا وزيمبابوي عالمياً في تضخّم أسعار الغذاء، ناهيك عن أسعار الأدوية لتلحق بها أسعار المواد الإستهلاكية. فبحسب مؤشر البنك الدولي لتضخّم الأسعار فإنّ لبنان يعاني من أزمة اقتصادية حادة وهو يواجه تضخماً فاق 211% في أيار 2022. وفي دراسة للدكتور باسم البواب فإن “التضخم يشكّل أحد أهم هواجس الحكومات كونه يرتبط بشكل وثيق بالنفاق والأمن الاجتماعي ومعه الأمن القومي.

ولبنان بدأ يشهد تفلّتاً واضحاً في نسبة التضخّم، توازياً مع تراجع القيمة الوطنية للعملة وبداية الإنهيار الإقتصادي نسبة للدراسة نفسها.

في الواقع، إنّ ما نعيشه اليوم يصبّ في خانة جديدة من الحروب. فأسلوب الحروب التقليدية بات قديماً، والجديد هو الجيل الرابع من الحرب. لم يعد الهدف تحطيم المؤسسة العسكرية للدولة بل الهدف هو “التآكل والإنهاك البطيء”. وهذا المفهوم الجديد يعني خراب متدرّج للمدن وتحويل الناس الى قطعان هائمة! إن استراتيجية الإنهاك تعني استنزاف قدرات الوطن ليبقى محاصراً وبالتالي غير قادر على حلّ الأزمة. فعند “قطع النفس الاقتصادي” يتوقّف الوطن عن تنفّسه وعن قدرته على النهوض والتعافي من جديد.

وها هو لبنان يختنق بارتفاع جنوني لسعر صرف الدولار الذي يلعب كل يوم من دون سقف محدّد له، ما يؤدي إلى الإنهيار التام للعملة. ويشير في هذا السياق الدكتور ايلي يشوعي “أنّ سبب ارتفاع وانخفاض سعر الدولار في السوق هو متعلّق بالبنك المركزي الذي يملك الدولارات. بمعنى أن اشارة صغيرة تساهم بضخ الدولارات في الاسواق وهذا يتسببب بهبوطه السريع ويعود ليشتريه على سعر منخفض. وهذا يؤدي إلى أن يربح البنك المركزي بحدود المليون دولار في اليوم الواحد”.

ويضيف الدكتور يشوعي “أنّ الدولار لا سقف له وأنه سيستمر بالارتفاع”.

وأمام كل هذه التحديات الإقتصادية والأزمة الإجتماعية التي يعاني منها معظم الفئات في المجتمع، نصطدم بواقع محليّ جديد. اختفت الطبقة الوسطى! وبقيت الطبقة الغنية متربّعة على عرش البذخ والتبذير لتعاني الطبقة “الفقيرة” شتّى أنواع المشاكل اليومية والبديهية.

فنحن وبعد اندلاع الحرب الإقتصادية المشؤومة نجد أنفسنا أمام انفصام اجتماعي وهوّة كبيرة بين مختلف الفئات الاجتماعية.

كيف يمكن لفلّان أن يبذّر أمواله على أمور تافهة ويعود وينشرها على مواقع التواصل الإجتماعي، في حين أن آخر قد استدان من أجل تأمين دوائه أو حتى ربطة الخبز لعائلته؟

كيف ننوح على الوضع الاقتصادي في حين أن المطاعم والحانات ممتلئة؟ وان أردت أن أسأل فلن أنتهي أبداً!

نحن أمام وفي وخلال حرب اقتصادية وأزمة اجتماعية كبيرة بدأت في الخفاء وانفجرت بوجه المواطنين ولا أحد يعلم متى ستنتهي! ولا بوادر حلول في الأفق أو على المدى القريب!

وفي انتظار الحلول ليس أمامنا سوى الدعاء لنا، أولاً لتجاوز الأزمة قريباً وللذين أصابهم الانفصام الاجتماعي وتناسوا الآخرين، ليلهمهم الله علّهم يدركون أنّ “بطرهم” في هذه الأيام لا يتناسب أبداً مع تعب الآخرين وإنهاكهم.

Next Article:

0 %