بقلمكم

الصحة الإنجابية والجنسية للمرأة في لبنان.. إلى أين؟؟ منطقة الشمال نموذج

بقلم عائشة علوان

تمثل الصحة الإنجابية والجنسية 20% من العبء العالمي لسوء الصحة بالنسبة للمرأة، وذلك بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية منذ العام .2008

فالصحة الإنجابية تعني قُدرة الناس على الحصول على حياة جنسية مسؤولة ومُرضِيَة وأكثر أماناً، وأن يكونوا قادرين على الإنجاب ولديهم حرية اختيار التوقيت وكيفية القيام بذلك، وامتلاك التكاليف المطلوبة. وتشمل أيضاً معرفة الرجال والنساء بوسائل تحديد نسل آمنة وفعّالة وميسورة التكلفة ومقبولة؛ وكذلك الحصول على خدمات الرعاية الصحية المناسبة للطب الجنسي والإنجابي، وتطبيق برامج التثقيف الصحي للحصول على فترتي حمل وولادة آمنتين توفران للأزواج أفضل فرصة لإنجاب طفل سليم.

الجهات المانحة : منظمات وجمعيّات

إنّ الصحة الجنسية والإنجابية للنساء مرتبطة بعدد من حقوق الإنسان، بما فيها الحق في الحياة، والحق في عدم التعرّض للتعذيب، والحق في الصحة، والحق في الخصوصية، والحق في التعليم، وحظر التمييز. وقد أشارت بوضوح كل من اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة، إلى أنّ حق المرأة في الصحة يشمل صحتها الجنسية والإنجابية. ويعني هذا أنّ الدول عليها التزامات باحترام وحماية وإعمال الحقوق المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية للمرأة. ويؤكد المقرّر الخاص المعني بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية في منظمة الأمم المتحدة، أنّ المرأة لها الحق في الحصول على خدمات وسِلع ومرافق تتعلق بالرعاية الصحية الإنجابية، على أن تتسم بما يلي: التوافر بأعداد كافية؛ إمكانية الحصول عليها فعلياً واقتصادياً؛ إمكانية الحصول عليها دون تمييز؛ جودة النوعية.

لذا باتت الصحة الإنجابية والجنسية للمرأة اللبنانية واللاجئة السورية في لبنان أولوية لدى المنظمات الصحية وهيئات المجتمع المدني، كالهيئة الطبية الدولية (IMC) وجامعة فينيسيا ((PU، اللتان تنفذان، بالشراكة مع المستشفيات الحكومية، كمستشفى المنية الحكومي في الشمال، عقود متجدّدة. لقد أعلنت مديرة المستشفى الدكتور ديما جمال عن توقيع عقد جديد، الشهر المقبل، مع جامعة فينيسيا ((PU مخصّص للصحة الإنجابية لدى السيدات اللبنانيات واللاجئات السوريات. يشمل العقد تغطية تكاليف المعاينات الشهرية والولادات مع العناية الصحية للأم في حال إيجاد أي مشكلة متعلقة بالحمل، بالإضافة إلى العقود التي تتم مع المستشفيات الخاصة، كـ”مستشفى الخير” في المنية الذي يفتح أبوابه أمام اللاجئات السوريات خلال فترات تطبيق العقود والتي تشمل تغطية التكاليف كاملة %100من بدء الحمل حتى الولادة.

تخبر السيدة السورية مريم س.أنها تعرّضت خلال حملها إلى تجلطات أودت بحياة جنينها، فتوجهت إلى المستشفى حيث تمّت تغطية نفقات صور الـ”إيكو” وتكاليف عملية إجهاض الجنين من قبل منظمة الأمم المتحدة بنسبة %75، وما تبقى من التكاليف كانت قد غطته الجمعيّات الداعمة. فقد أحالت جمعيّة “تأهيل المهارات الإجتماعية” ملفها إلى جهات مانحة ساهمت في تغطية التكاليف المتبقية.

تشير مديرة جمعيّة “تأهيل المهارات الإجتماعية” السيدة دانيا غزاوي إلى أنّ الجمعيّة تستقبل العديد من الحالات الصحية التي تتم إحالتها إلى المنظمات المهتمّة كالمجلس الدنماركي للاجئين DRC، نظراً لما يقومون به من جلسات توعية على أهمية الصحة الجنسية والإنجابية للمرأة، ومدى تأثير التنظيم الأسري وتحديد الولادات على صحة الزوجة، خصوصاً أنّ انتهاكات حقوق المرأة المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية غالباً ما تكون عميقة التجذر في القيم المجتمعية الخاصة بالحياة الجنسية للمرأة، وأنّ المفاهيم الأبوية لأدوار المرأة داخل الأسرة كثيراً ما تؤدّي إلى تقييم النساء على أساس قدرتهن على الإنجاب. كما أنّ للزواج المبكر والحمل المبكر، أو حالات الحمل المتكرّرة التي تتم على فترات شديدة التقارب، والتي تحدث غالباً نتيجة للجهود المبذولة بغية إنجاب ذكور بسبب الأفضلية التي يحظى بها الأبناء، تأثير مدمّر على صحة المرأة وعواقب مهلكة في بعض الأحيان. وكثيراً ما تخضع المرأة أيضاً للوم في حالة العقم، وتعاني من النبذ، وتتعرّض لانتهاكات مختلفة نتيجةً لذلك.

على ضوء هذا الواقع، يعمد العديد من المستوصفات المتعاقدة مع منظمات دولية إلى تغطية تكاليف الفحوصات الشهرية وتأمين الدواء اللازم كـ”مستوصف النهضة” في بحنين، و”مستوصف الإيمان”، و”مستوصف النجاة”، التي تتواجد في المنية ومحيطها.

تقول السيدة نور ع. من اللاجئات السوريات القاطنات في مخيّم السبكجي في منطقة بحنين قضاء المنية – الضنية: “تزوّجت في سنّ السادسة عشرة. أمضيت سنة كاملة دون حمل رغم المحاولات الكثيرة. بعدها، لجأت للعلاج الذي كانت كلفته باهظة جداً، فقدّمت ملف علاجي للأمم، التي غطت لي جزءاً من التكاليف. كما لجأت للعديد من الجمعيّات التي أحالتني إليها ألأمم والمفوضية. فقد كنت بحاجة ملحّة للعديد من العمليات والأدوية على فترات طويلة، والنتيجة كانت أني تمكّنت من الحمل. تابعت فترة الحمل كاملةً في “مستوصف النهضة” في بحنين الذي يؤمّن لنا الفحوصات والأدوية المتوفرة مجاناً. كما أنّ الأمم تكفّلت بـ %75 من كلفة الولادة. والآن، أنا حامل للمرّة الثانية، وأذهب شهرياً للاطمئنان على صحتي وصحة الجنين في “مستوصف الإيمان” في بحنين، حيث أحصل على الأدوية اللازمة مجاناً.”

من جهته، يوقّع مستوصف بلدية مرياطة، بشكل دائم، عقوداً مع PU و IMCلتأمين تغطية دائمة ومستمرة لاحتياجات النساء اللبنانيات والسوريات على مستوى صحتهن الإنجابية والجنسية، وفي فترة ما بعد الوالدة. لقد أكدت السيدة اللبنانية سلوى م. أنّ الطاقم الطبي في مستوصف مرياطة يقدّم الخدمات الكاملة للصحة الإنجابية والجنسية للمرأة مجاناً من معاينات شهرية للحوامل. كما يؤمّن المستوصف لهن الدواء المتوفر لديه مجاناً بالإضافة إلى حقائب تحوي العديد من احتياحات الطفل والأم. كما تتم تغطية التكاليف المتعلقة بصحة الطفل ما بعد الولادة، من تطعيم شهري ومعاينات دورية.

جهود عديدة تقوم بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر ICRCفي مستشفى طرابلس الحكومي، والعقود المبرمة مع الإدارة تشمل تغطية تكاليف المتابعات الشهرية والولادات للسيدات الحوامل، تحت شروط معينة، كما أكّد مدير المستشفى ناصر عدرة: “يستلم الصليب الأحمر الدولي ICRCبرنامج الرعاية الصحية والإنجابية في المستشفى، وفق شروط معيّنة ومنها، أن يتخطى الحمل أسبوعه السادس حتى يتمّ التسجيل في البرنامج. بذلك، تستفيد السيدة من رزمة من التحاليل الأساسية الملزمة لها وكذلك من المعاينات الشهرية. وقد تتم تغطية تكاليف الولادة بشكل كامل.” أضاف عدرة:”لا يقتصر هذا البرنامج على فئة معيّنة من السيدات بل يشمل اللبنانيات والسوريات والفلسطينيات أيضاً.”

تؤكد السيدة اللبنانية فرح م. التي رزقت بمولودتها في مستشفى طرابلس الحكومي: “شاركت في الحملة التي نظمتها ICRC عندما أتممت الشهر الثالث من الحمل، وأنجزت فحوصاتي كاملةً مجاناً حتى موعد الولادة. ثم اتصلوا بنا من الـ ICRC وأخبرونا أنهم سيغطون تكلفة الولادة، وتمّ إعطائي حقيبة تحوي احتياجات لي وللمولود.”

الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية

وفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA، فإنّ عدم تلبية احتياجات الصحة الجنسية والإنجابية يحرم المرأة من الحق في اتخاذ خيارات حاسمة بشأن جسدها ومستقبلها مما يؤثر على رفاهية الأسرة. وفي هذا السياق، خصّصت منظمة الأمم المتحدة قسماً من ميزانيتها لتغطية احتياجات اللاجئات السوريات الصحية الجنسية والإنجابية. لكن، في ظل الأزمات المتفاقمة في لبنان، انخفضت هذه التغطية إلى 75% بعدما كانت 100%. والـ 25% المتبقية، كما الحالات الطارئة، فمغطاة من قبل جمعيّات ومنظمات فاعلة في لبنان كالمجلس الدنماركي للاجئين DRCومنظمة Leading handsالمعنية بمتابعة شؤون اللاجئات السوريات بما يتعلّق بالصحة الإنجابية بشكل خاص، والمنتشرة مكاتبها في عدّة مدن لبنانية.

وعلى الرغم من هذه الإلتزامات، فإنّ انتهاكات حقوق المرأة المتعلّقة بالصحة الجنسية والإنجابية متواترة الحدوث. وتتخذ هذه الانتهاكات أشكالأً كثيرة، بما في ذلك الحرمان من الحصول على الخدمات التي تحتاج إليها المرأة، أو رداءة نوعية هذه الخدمات، وإخضاع توفير هذه الخدمات للمرأة لحصولها على إذن من طرف ثالث، والقيام بإجراءات متعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية للمرأة دون موافقتها، بما في ذلك التعقيم القسري وفحص العذرية القسري والإجهاض القسري. كما تتعرّض حقوق المرأة المتعلّقة بالصحة الجنسية والإنجابية للخطر عند إخضاعها لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية وللزواج المبكر.
انطلاقاً من هذا الواقع، فقد تضمّنت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (المادة 16) تشديداً على أن يتم التعامل مع المرأة على قدم المساواة مع الرجل وأن تتمتع بنفس الحقوق في أن تقرّر “بحرية وعلى نحو مسؤول عدد أطفالها والفاصل بين الطفل والذي يليه، وفي الحصول على المعلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذه الحقوق.”

وينصّ منهاج عمل بيجين على أنّ حقوق المرأة “تشمل حقها في أن تتحكّم وأن تبتّ بحرية ومسؤولية في المسائل المتّصلة بحياتها الجنسية، بما في ذلك صحتها الجنسية والإنجابية، وذلك دون إكراه أو تمييز أو عنف.” والتوصية العامة رقم 24 للجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة تقضي بأن تعطي الدول الأولوية “لمنع الحمل غير المرغوب فيه، عن طريق تنظيم الأسرة والتثقيف الجنسي.” وأوضح التعليق العام رقم 14للجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أنّ توفير خدمات صحة الأم التزام أساسي لا يمكن عدم التقيّد به أياً كانت الظروف، وأنّ على الدول التزاماً مباشراً باتخاذ خطوات مدروسة وملموسة وهادفة نحو إعمال الحق في الصحة في سياق الحمل والوالدة.

أرقام مفيدة
مستشفى طرابلس الحكومي – 06 385 373
مستشفى المنية الحكومي – 06 463 933
مستشفى الخير – المنية – 06 461 444
مستوصف النهضة – 06 463 481
جمعية تأهيل المهارات الاجتماعية – 70 151 055 – 03 437 806
الهيئة الطبية الدولية (IMC) – 01 487 921
المجلس الدنماركي للاجئين – 01 339 052
Leading hands – 76 460 640

Next Article:

0 %