إقليم الخروب

رحل نبيل مكنية اليوم.. نستذكره من خلال تقرير كتبناه عنه يوماً.. عاش في ميتم في صغره وكوخ خشبي في حقول مزبود في كبره

خديجة الحجار – خاص صدى الاقليم

في يومٍ زرتُه في مكان يشبه كل شيء إلّا المنزل، إنما كان منزله، حيث طبع ذلك اليوم ذكرى مؤلمة في ذاكرتي لا تزال حتى اليوم.

رحل اليوم نبيل مكنية، أحد بؤساء هذا الوطن المهشّم، وفي هذه المناسبة المؤلمة أستذكر وإيّاكم ما كتبته عنه بتاريخ 16-10-2016 علّ قصّته تبقى ذكرى وعبرة .

كتبت خديجة الحجار في جريدة المستقبل:

 في احد حقول بلدة مزبود، كوخ من خشب لا يتعدى المتر ارتفاعاً والمتر والنصف طولاً وعرضاً، يعيش البيروتي نبيل مكنية المعروف بين ابناء البلدة ب “نبيل عضاضة”، بين الاشجار والحيوانات ويواجه الحياة بحلوها قبل مرها، بطبيعتها واختلافاتها.

هو ابن 62 عاماً، عاش حياته في ميتم في مدينة صيدا، ليخرج في الخامسة عشر من عمره الى معترك الحياة ويواجه صعوباتها. مع الاجتياح الاسرائيلي لبيروت في العام 1982 انتقل نبيل الى بلدة مزبود وسكن في خيمة في أحد حقولها، يتنقل من منزل إلى آخر، يعمل في حدائقها، يكتسي من خيرات أبنائها، يأكل من عطاياهم، ويعتاش من تقديماتهم.

“المستقبل” التقت نبيل مكنية الذي ما إن عرف بأن إحدى الوسائل الاعلامية تريد التحدث إليه وعنه، رحّب بالأمر فقال: لقد نلت الشهادة الابتدائية، صحيح أنني لم اكمل تعليمي إلّا أنني من محبي المطالعة ودائماً اقرأ الكتب والجرائد، وأتابع مجريات الأحداث في وطني والعالم، الحياة كانت صعبة عليّ منذ طفولتي لكنني ما زلت حياً واحمد الله انني سكنت في بلدة محبة بأهلها الطيبين الذين لم يتركوني ووقفوا الى جانبي منذ قدومي.

وختم: لم أعرف عائلتي قط، ولم أتزوج ولم أؤسّس عائلة، ظروف الحياة كانت قاسية جداً، حيث لا وظيفة ولا منزل، ولا دولة حتى تسأل، ولكن هناك رب يتطلع بي، لا بد لي ان اشكره على نعمه.

ثياب رثة، وايادٍ مشققة وأرجل تكاد لا تستطيع حمل هذا الجسد الصغير، والتي إن دلّت على شيء فهي تدل على مصاعب حياة عانى منها هذا البيروتي المزبودي، وكل “تجعيدة” في وجهه تحكي حكايا وقصص لمعاناة عاشها ولا زال يعيشها نبيل وسط غياب تام لمن يقدم للفقير قبل العجوز الحد الأدنى من مقومات حياة، وكوخ خشبي لا يتسع لصغر جسده يجسّد قصة رجل عاش وحيداً فقيراً في شبابه، ليبقى فيه وحيداً فقيراً في شيخوخته.

Next Article:

0 %