تحتفي مصر، وعشاق الفن بالدول العربية، في السابع عشر من مايو بعيد ميلاد النجم السينمائي عادل إمام الذي يعده كثيرون بمثابة علامة فارقة في تاريخ الفن المصري.
لكن احتفال “الزعيم” بيوم ميلاده، وبلوغه الثالثة والثمانين، يتزامن مع ذكرى أخرى أكثر التصاقا بتاريخ الفن المصري، فقبل 60 عاما بالتمام والكمال بزغت موهبة إمام للمرة الأولى، حين ظهر على خشبة المسرح أمام العملاقين فؤاد المهندس وشويكار بالمسرحية الكوميدية “أنا وهو وهي”، التي أنتجت عام 1963.
البداية
يحكي إمام في حوار تلفزيوني قصة البداية بدور “دسوقي أفندي”، وقتها كان خريجا حديثا من كلية الزراعة بجامعة القاهرة، يبلغ من العمر 23 عاما، ويحلم بالدخول إلى عالم الفن بعدما شارك في أدوار كثيرة على سبيل الهواية بالجامعة.
لكن الأمور لم تكن تمضي على ما يرام فقد أقالته هيئة “مسارح التلفزيون” لعدم استكمال أوراقه الثبوتية، قبل أن يعرض عليه دور صغير في المسرحية الكوميدية مع النجمين الشهيرين.
في “أنا وهو وهي” لعب إمام دور وكيل محام صعلوك يتعامل مع الناس بعجرفة لا تتناسب مع وضعه البائس، فشد انتباه الجميع فورا، وانطلقت الضحكات تتفاعل مع طريقته المميزة في الأداء رغم ظهوره بمشاهد محدودة.
موهبة إمام التي لا شك فيها تجسدت من اللحظة الأولى مع اهتمام بالغ بالتفاصيل.. يتذكر أنه راح يبحث في مخازن التلفزيون عن سترة قديمة مهترأة وغطاء رأس “طربوش” وقميص مزقه بيديه ليناسب الوضع الاجتماعي البائس لوكيل المحامي.
وقد سُمع صوته للمرة الأولى حين ظهر مع بداية الفصل الثاني، وبينما المشاهدون لم يستقروا بعد على مقاعدهم.. يرن الهاتف فيرفع “دسوقي” السماعة ويتفوه بالعبارة التي باتت شهيرة بعد ذلك: “هنا مكتب حمدي عطية المحامي وأنا الأستاذ دسوقي الوكيل بتاعه”.
تنفجر الضحكات التلقائية التي فاجآت إمام، لكنه يلاحظ تصفيق الحاضرين الحاد له عند خروجه من خشبة المسرح، بينما لم يكن أحد قد صفق له عند دخوله “لأن لم يكن أحد يعرفني”.
وهكذا تجسد الحضور الكوميدي لإمام من المشهد الأول، ووفق شهادة فؤاد المهندس لاحقا فقد تم اختيار إمام من بين أكثر من 20 ممثلا لأداء الدور لينجح فيه بطريقة لافتة.
بعدها راح إمام، وبحسب تعبير المهندس “يشتغل ويشتغل ويشتغل”، ويكون نفسه وشخصيته، وهي مرحلة طالت قليلا حتى تحول إلى “ستار” أو نجم، وترسخت نجوميته في أواخر السبيعينيات وأوائل الثمانينيات.
في ظل البطل
ما بين الظهور الأول وبلوغ عتبة النجومية المطلقة عاش عادل إمام سنوات في دور البطل الثاني أو “السنيد” بالتعبير المصري، سواء في التلفزيون أو المسرح أو السينما، لكنه لم يظهر خلال تلك الفترة علامات مؤكدة على أنه سيصبح “رقم 1 في مصر”، وذلك بالنظر إلى أنه حوصر، وفق السيناريست بلال فضل، في مساحة محدودة من الأدوار والشخصيات.
ويقول الكاتب الراحل محمود السعدني في كتابه “المضحكون”: “كان عادل إمام يستطيع أن يفرض ظروفه في هذا السوق (الفني) (..) لكن عادل لظروف قهرية أذعن لشروطهم وسلم رقبته لمخرجين يحتاجون إلى دراسة إجبارية في فصول محو الأمية السينمائية ليضعوه في دور السنيد إلى جوار البطل، ينقل له أخبار البنات أو يوجه إليه نصائح خائبة (..) وبدلا من أن يشق عادل طريقه إلى أدوار البطولة ارتضى هذا الوضع وقنع بالأدوار التي يساق إليها والجنيهات التي تنهال عليه”.
وأضاف السعدني: “لو أدرك عادل كم هو موهوب وكم هو مطلوب لنجا بنفسه من الكمين الذي أعدوه له.. و(حتى) إذا لم يهرب سريعا من هذا الركن المحشور فيه إلى دور البطولة (..) فلن ينقص هذا من موهبته ولن يحط من قدره كممثل نابغ وموهوب وعظيم”.
التمرد.. والنجومية
كتب السعدني تلك الكلمات في أوائل السبعينيات، ولحسن حظ عادل إمام والفن المصري، فقد تمرد أخيرا على وضعه، وبدأ وفق ما أورد فضل، مرحلته الجديدة بعد مسرحية أخرى بعنوان “أنا وهي وسموه”.
في ذلك الوقت بدأ عادل يصر على “دور البطولة”، وشارك بمسرحيات عدة فشل أغلبها، حتى عرضت المسرحية الشهيرة “مدرسة المشاغبين” في النصف الأول من السبعينيات.
أطلق ذلك العمل المثير للجدل نجومية كثير ممن عملوا به، وبينهم إمام نفسه وسعيد صالح وأحمد زكي، لكن إمام بدأ يظهر بشكل مختلف لاسيما بعدما بثت المسرحية تلفزيونيا، ونالت شهرة ونجاحا واسعين.
ومثلما كانت بدايته الأولى في مسرحية “أنا وهو هي”، ترسخت نجوميته نهائيا بعد 13 عاما على خشبة المسرح، وتحديدا في العمل الشهير “شاهد ماشفش حاجة” الذي استمر يعرض لسنوات عدة، وخلال تلك الفترة تلقفته شاشات السينما حتى بات مع نهاية السبعينيات البطل الأول، وبلا منافس تقريبا.
بإنتاج غزير بلغ، على سبيل المثال، 3 أفلام عام 1979، و5 في عام 1980، ومثلها في 1981، فرض عادل إمام نفسه على حسابات شباك التذاكر وأذواق الجمهور، ثم راح ظهوره يقل عمدا حين مكنته النجومية، حسب ما قال بنفسه لبلال فضل، من امتلاك “قوة الرفض”، ليبدأ مرحلة الاختيار الدقيق للأدوار والشخصيات التي يريد تقديمها.
نجومية إمام التي انفجرت أخيرا دعمتها التغيرات في طرق العرض، وظهور أجهزة تسجيل الفيديو التي نقلت عادل إمام من خشبة المسرح وشاشة السينما، وأدخلته أيضا إلى بيوت الأسر المصرية وكرست نجوميته.
نجم الشباك
في تلك الفترة راح إمام، وبذكاء فطري امتزج بموهبته الأكيدة، يختار أعماله السينمائية بدقة، وينوع خلالها بين دور الشاب المصري المنسحق بظروف المجتمع، إلى البطل الشعبي القادم بدهائه وشجاعته من القاع إلى القمة، ومن معشوق النساء وصولا إلى الفارس القادم من العصور الوسطى، والكفيف الذي يري ما لا يراه المبصرون، كل ذلك في إطار يمس ويحلل قضايا ضاغطة على حياة المصريين مثل الإرهاب والغلاء والفساد وحتى الديكتاتورية (دون تطرق مباشر إلى مؤسسة الرئاسة المصرية).
طوال تلك السنوات وحتى آخر أعماله السينمائية “زهايمر” عام 2010، بقي عادل إمام، إلا قليلا، “ملك الشباك” والمتربع على عرش النجومية حتى مع تقدمه في العمر، وذلك بصرف النظر عن تغيرات عميقة ضربت “السوق السينمائية” عبر العقود، فقد اختفى نجوم وظهر آخرون، وتبدلت تقنيات وظهرت أخرى، بينما بقي إمام محافظا على مكانته، ثم اختار، مع ابتعاده سينمائيا، موعدا سنويا على شاشات التلفزيون في رمضان ليطل على جمهوره عبر أعمال درامية كوميدية.
يقول إمام إن أساس “الكوميديان الناجح” أن يكون بالأصل ممثلا حقيقيا، ثم تأتي موهبة الإضحاك التي لا تكتسب ولا تدرس، وهو تعبير دقيق برهنت عليه مسيرته الحافلة.
غياب ونبؤة
وبالتزامن مع عيد ميلاده الـ83، اعتاد محبو إمام ابتعاده المستمر عن الأضواء مؤخرا، وسط أحاديث متفرقة ومتضاربة عن حالته الصحية، وشائعات تظهر من فترة إلى أخرى عن وفاته، تستنكرها أسرته ومقربون منه، يؤكدون في المقابل أنه يفضل حاليا الابتعاد والاستمتاع بوقته بهدوء وسط أحفاده وأصدقائه المقربين.
وقبل أيام نشرت وسائل إعلام مصرية قصة ذات مغزى على لسان صديق عمره الممثل صلاح السعدني تعود إلى فترة دراستهما سويا في الجامعة.
يقول السعدني: “لديَّ شريط مسجل لعادل إمام في كلية الزراعة كأنه يقرأ فيه أحلامه (..) تحدث فيه عن أنه سيكون أهم نجم في مصر بعد تخرجه في كلية الزراعة واحترافه مهنة التمثيل، وسيكون أهم نجم في مصر، وستكون العلاقة بينه وبين الناس مفتوحة بلا حدود”.. وكل ذلك تحقق بالفعل.. وأكثر.
المصدر: الحرة