خاص صدى الإقليم – باسكال عيد
في وطن يئنّ ويتألّم، يعاني ولا يتكلّم، تقف فيه كل الفئات في المجتمع عاجزة عن التحرك. ليس لأنّها غير قادرة على التصرف أو العمل في سبيل تغيير الصورة الحالية، بل لأنّها انهمكت في الأمور المعيشية المزرية.
فعوضاً عن السعي وراء الأحلام، يستيقظ المواطن في كلّ صباح ليسعى وراء لقمة عيشه بذلّ. تبدأ رحلته اليومية من الانتظار في طوابير السيارات أمام محطات البنزين إذا توفرت معه سعر صفيحة البنزين. ينتقل بعدها حول المناطق ليلّف صيدليات المنطقة والعاصمة بحثاً عن دواء أو عن حليب لأطفاله ولكنّه “مقطوع” لأنّ اعتماده لم يدفع بالدولار الغير متوفّر أو بسبب احتكار التجار في انتظار ارتفاع اضافي للدولار. وتميل الشمس الى الغياب هذا لأنّ جولته كانت طويلة ومن دون جدوى، فيعود أدراجه يائساً. ويزيد على يأسه ارتفاع الاسعار الجنوني للمواد الغذائية ناهيك عن ربطة الخبز التي يتقلّص وزنها ويزيد سعرها.
إنّ ما يعيشه اللبناني اليوم هو أشبه بمسلسل تلفزيوني طويل تدور أحداثه في بلد اليأس وأبطال المسلسل هم أبناء هذا الوطن.
في ظلّ كل هذه التغيرات التي تأثر بها ويتأثر بها كل يوم الأغلبية الساحقة من المواطنين، لا بدّ لنا اليوم أن نختار المعلّم في عيده لنعرض جزءاً من معاناته التي لا تقلّ أهميّة عن معاناة باقي الفئات في المجتمع.
إنّ المعلّم اليوم يعيش أسوأ فترة في كلّ تاريخه المهني. إنّه يرتاد يومياً إلى مركز عمله ليواجه الازمة الصحية في غياب الالتزام الكامل للوقاية من الوباء المستجدّ وتغيّب الجهات المسؤولة في حال تعرّضه للإصابة. فهو بمردوده الضئيل عليه تحمّل عبء تكلفة الفحوصات والتحاليل الطبية إضافة إلى الأدوية من دون أن ننسى كلَّ التداعيات النفسية والجسدية للمرض. وبالرغم من ذلك لا يبوح ولا يشكي.
إنّ المعلّم اليوم يعيش في دوّامة لا يعرف متى ستنتهي وكيف. فبين ضميره المهني ورسالته السامية تقف مصاريف عائلته ومتطلبات الحياة له بالمرصاد.
فهو في كلّ يوم يسأل نفسه: “كيف سأصل غدا” إلى المدرسة؟” هذا لأنّ المال الذي بحوزته لا يكفي لشراء الدواء الذي يحتاجه ابنه هذا المساء. وبالرغم من ذلك هو لا يبوح ولا يشكي.
إنّ المعلّم اليوم لا يعيش، إنّه فقط يتنفس العوز والقلّة. قتلتم فيه الرسالة والوفاء للكتاب والقلم.
إنّ المعلّم اليوم يحارب في ميدان التعليم جريحاً، هذا لأنّ النظام المهترء لم يترك فرصة إلا واستغلها ليصيبه في الصميم. وبالرغم من ذلك هو لا يبوح ولا يشكي.
إلى كلّ معّلم، إلى كلّ محارب على جبهة النضال اليوميّ من أجل الاستمرار ألف تحية وله من القلب وقفة إجلال. ولكنّ التحيات والمشاعر لم تعد تكفي للاستمرار، إمّا أن نعضّ على الجرح ونكمل المعركة الخاسرة وإمّا أن نثور لننهي الحرب ونداوي الجراح المفتوحة.
أيّها المحارب الجريح كلّ عيد وأنت ثائر للتغيير وليس راضخ للتعتير…