بقلمكم

طفلي ذو الخامسةِ والعشرين

دعاء الخطيب – الأردن

وفي اللّحظة الّتي عرفتُ فيها أنَّني كنتُ مخطئةً؛ كانَ الأوانُ قد فاتَ منذُ زمن!

“مبروووك!! صحّة المولود تمام التّمام الحمدُلله!”…

كانت هَٰذهِ الجُملةُ تعزفُ ألحانًا في أُذنيّ ! عاهدتُ نفسي أن أُنشِئَ جيلًا مستقلًّا قويًّا بِـ ذاته! والبدايةُ بِـ التّأكيد؛ أن أرسمَ لِـ طفلي الطّريق -مازالَ طفلًا ولا يعرفُ المَسيرَ وحدَهُ!-

رسمتُ لهُ خطواتِهِ الأولىٰ -مازالَ طفلًا ولا يعرفُ المَسيرَ وحدَهُ!-… وقد سارَ خطواتِهِ علىٰ أكمَلِ وجهٍ، تمامًا كما رسمتُها لهُ؛ -فَـ طفلي ذكيٌّ سريعُ التّعلّم!-
ها هوَ ينطقُ كلماتِهِ الأولىٰ “حبيبي ماما! يلّا قول ماما … مّا مّا” ها قد نطقَها ! قالَها بِـ صعوبةٍ، لَٰكنَّهُ عرفَ نُطقَها! يالَسعادتي بِـ سماعِها للمرّةِ الأولىٰ !
لقد تعلّمَ جميعَ الكلماتِ الّتي قلتُها لهُ -فَـ طفلي ذكيٌّ سريعُ التّعلّم!

ها هوَ الآنَ يدخلُ الرّوضة؛ لقد بدأَ طفلي بِـ النّموِّ سريعًا! بدأَ يكتبُ الحروفَ، لَٰكنَّهُ لا يكتبُها سِوىٰ إذا قمتُ بِـ رسمِ خطٍّ لهُ يتبعُهُ لِـ كتابةِ الحرف! -لا مشكلة! مازالَ طفلًا ولا يعرفُ المَسيرَ وحدَهُ!-

لقد اِعتادَ طفلي أن أرافقَهُ في كلِّ مكان.. حتّىٰ في الرّوضة؛ دائمًا يتمسّكُ بِـ يديَّ ولا يفلتُها -مازالَ طفلًا لا يعرفُ المَسيرَ وحدَهُ!-… لم يُنشِئ صداقاتٍ بعد.. لا مشكلة؛ أنا أمُّهُ وصديقتُهُ!

بدأَ طفلي يكبرُ أكثر؛ الآن هو في العاشرةِ من عمره… لم يتعلّم المَسيرَ وحدَهُ بعد! لم يكتب أيَّ حرفٍ وحدَهُ بعد! لم يُنشِئ صداقاتٍ بعد! -لا مشكلة؛ مازالَ طفلًا! أمامَهُ الوقتُ لِـ يتعلّم!-… أو رُبَّما عليهِ أن يتعلّمَ الآن!!!

“حرام عليكِ؛ بعده صغير! لا تشدّي عليه؛ بعده صغير! مافي داعي يكونله أصحاب؛ بكفّي إنتِ! يمكن لازم تضربيه؛ مشان يتعلّم! عاقبيه! لا تعاقبيه! اِتركيه علينا! اِحكي لَـ أبوه؛ يخوفه!”… هَٰذهِ كانت ردودُ فعلِ المحيطينَ بي! وخطئي هنا؛ أنَّني اِستمعتُ لهم! لقد تدخّلَ عشراتُ الأشخاصِ في تربيتي لِـ طفلي…

ضربتُهُ؛ فَـ بكىٰ؛ فَـ أخذتُهُ للمتجرِ لِـ يختارَ ما يشاء! عاقبتُهُ ورهّبتُهُ، ثمَّ ندمتُ ودلّلتُهُ! لم أعلّمهُ المَسيرَ وحدَهُ؛ فَـ مازالَ طفلًا، ولَٰكنَّني غضبتُ منهُ حينَ رأيتُ أقرانَهُ متّكلينَ علىٰ أنفسِهِم!

تشتّتُّ أنا وتشتّتَ طفلي معي… كبرَ عُمرًا ومازالَ طفلًا! مازلتُ أرسمُ خطواتِهِ لهُ… ومازالَ وحيدًا لا أصدقاءَ له! طفلي يخافُ من أيِّ شيءٍ الآن؛ لِـ أنَّني عنّفتُهُ مِرارًا! طفلي لا يعرفُ الحديثَ مع النّاس ويخافُ التّجمُّعاتِ! ولَٰكن مهلًا، هَٰذا الطّفلُ الآنَ في الخامسةِ والعشرينَ من عمرِهِ… هو طفلي، ولَٰكنَّهُ الشّابُّ ضعيفُ الشّخصيّةِ بِـ النّسبةِ للنّاس!

ولَكن، في اللّحظة الّتي عرفتُ فيها أنَّني كنتُ مخطئةً في أسلوبِ تربيتي؛ كانَ الأوانُ قد فاتَ منذُ زمن!

Next Article:

0 %