بقلمكم

حتى الميّت لا يرقد بسلام

دانا فخر الدين – خاص صدى الاقليم

لم يعد خبر ارتفاع ثمن صفيحة البنزين، أو ارتفاع ثمن المواد الغذائيةّ أو انقطاع مادة المازوت خبرًا دسمًا، برغم فظاعته، بقدر ما أضحى خبر معاناة المريض لتلقّي العلاج الشبه مستيحل أمرًا لا يصدّق.

من يرغب فعلًا بمعرفة مدى الذلّ الذّي يعيشه المواطن اللّبنانيّ ويعايشه في هذا البلد فليقرأ هذه الكلمات.

هو اللبناني الذي يصارع حياته كلّ يوم فقط للحصول على قوت بالكاد يكفي لإطعام عائلته. سيّارةٌ جديدةٌ، بيتٌ جميلٌ أمامه حديقة صغيرة للأولاد، نزهة، زيارة… كلّها لم تعد بالحسبان حتى ولو كانت أمنيات بسيطة. فالخوف على تأمين القوت اليومي طغى على كامل تفكير اللبناني.

لكنّه رغم ذلك لم يسلم. فهو مُحارَبٌ حتى بدوائه اذا مرِضَ، وبموته إن اختار الموت ليرتاح.

إسعاف “بلا بنزين”

مريضة أسلمت الروح منذ يومين لتَعَثُّرِ حصولها على العلاج في الوقت المناسب. نعم الموت حقّ لكن العلاج أيضًا حقّ للجميع. تنقّلت المريضة بين أربع مستشفيات سعيًا للعلاج. فالمحطة الاولى، الطبيب الوحيد المختص بعلاجها اعتكف عن تأدية واجبه المهني لتصفية حسابات مادية مع المشفى. والمحطة الثانية لم تلقَ النتيجة المرجوّة كما الثالثة. أمّا في المحطة الأخيرة فأسلمت الروح تعبًا وأرادت أن ترتاح وترقد بسلام هربًا من ظلم هذا العالم. إلّا أنّها لم تدرك أنّه حتى موتها لم يحلّ هذه المعضلة، فكانت جثّتها تنتظر من يرأف بها لإيصالها إلى مثواها الأخير لأن سيارة الإسعاف خالية من الوقود… فالمعاناة مزدوجة.

مثال آخر لمريض مصاب بالسرطان، الذي رغم ألمه ووجعه ورغم صمته وتحمّله رحلة علاج شاقة باهظة التكاليف، فهو ملزم أيضًا بتكبّد مشقّة أخرى وهي البحث من مكان لآخرعن القليل من مادة المازوت كي يتمكن من تدفئة جسده الهزيل.

وغيرهما الكثير من الحالات التي تعاني ألم الحصول على العلاج أكثر من ألم المرض بحد ذاته. واللائحة تطول.

من المسؤول؟  

من المسؤول عن معاناة الأبرياء الذي لا ذنب لهم سوى ولادتهم في بلد كلبنان؟ هل هي المشافي التي تنزف وتعاني نقص الكثير من اللوازم الطبية؟ أم الأطباء الذين فضّل بعضهم المردود المادي على الضمير المهني؟ أم الشّعب الذي تُغتصب كامل حقوقه وهو في سبات لا يحرّك ساكنًا فليس باليد حيلة؟ أم الحكّام الذين لا صوت لمن تنادي؟؟؟

مصير واحد

أيًّا تكن المسؤولية فالنتيجة واحدة، وهي أنَّ اللبناني يعيش حياة ذلّ فادح في ربوع وطنه. واللبناني يخاف المرض لأنه ليس بقدرته شراء دواء أو الحصول على علاج. واللبناني تخلّى عن كل أحلامه وطموحاته ومستقبله لقاء ليتر مدعوم من الزيت وبرهة من الطحين.

فمتى ستنتهي هذه الأزمة اللّعينة؟ وكم من الأرواح ستُحصد ظُلمًا على أبواب المستشفيات إن حالفها الحظ ووجدت سيارة تنقلها ؟

ندعو الله بالفرج القريب والرأفة بهذا الشعب المظلوم والمغلوب على أمره.

Next Article:

0 %