بقلمكم

من صورة للذكرى إلى حياة للصّور

دانا فخر الدين فواز – خاص صدى الاقليم

“مبروك حبيبي”، “الله يخليلنا ياك أحلى أب”   “Happy mother day” “bonne fete” “أحلى قعدة”، ““habibi thank you 3al cadeau… وغيرها الكثير والكثير من العبارات التي نعثر عليها في كل ثانية يخطر ببالنا أن نتصفّح أياً من المواقع الإلكترونية.

هل هذا هو الهدف الذي صُنِعَت لِأَجلِهِ هذه الشبكة العنكبوتية؟ هل تحقّقون نجاحات باهرة في عرض كلّ ما هو خاص على هذه الوسائل؟ ما العبرة مما تنشرون؟ هل تعرفون؟

خطوة بخطوة

تتسابق فئات لا يستهان بها من الناس في نشر صور لكلّ خطوة يقومون بها سواء داخل المنزل أم خارجه، لكلّ سفرة طعام، لكل نزهة، لكلّ جمعة مع الأقارب والأصدقاء حيث يقضون معظم الوقت في التقاط هذه الصور لعرضها على وسائل التواصل والتباهي بها، ضاربين عرض الحائط الكثير من القيم والمعايير.

وما الخطب في ذلك؟

عندما تُحضِّر المرأة طعامًا لذيذًا لعائلتها سعيًا منها لإرضاء زوجها وأولادها ثم تقوم بعرض ما قامت بتحضيره على الوسائل الإجتماعية، ما حاجتها لذلك؟ هل تريد إرضاء العالم المزيف أم عائلتها؟ أليس للبيوت حرمة مهما كانت تفاصيلها صغيرة؟

أو العروس خلال شهر العسل، هل سافرت مع زوجها لترسم حياة جديدة بجانبه أم لالتقاط الصور وعرضها خطوة بخطوة على الفايسبوك وغيره؟

أمّا معرفة جنس المولود فأضحت حاجة ملحّة في هذه الآونة، لم يعد للأم وللأب حقّ معرفة جنس مولودهما إلّا أمام حشد من الناس الموثّق بتصوير الفيديو..

والأهمّ من كلّ ذلك معايدة الأم والأب، ممّا لا شك فيه أنّ كلّ أمّ وأب يتمنّيان فقط غمرة وقبلة من القلب من أولادهما، وليس معايدات زائفة. فما نفع عرض صورالأم أو الأب ونحن في إنشغال دائم عنهما. وما أكثر هذا العرض خلال عيد الأم وعيد الأب!

لماذا؟

لماذا لا نفكّر في مشاعر بعضنا عندما نقوم بعرض أي صورة؟ عندما نعرض صورة لطعامٍ ممّا لذّ وطاب ومن لا يملك ثمن خبز يتابع هذه الصّور، هل يكون تصرّفًا صائبًا؟ أيضًا حين نعرض لقطات مع العائلة والأهل وهناك من فقد عائلته أو أمه …ألا يكون ذلك جرحًا لمشاعره؟ ومثله من لم يُرزق بمولود، عندما يرى حفلات التباهي بمعرفة جنس المولود ومراسم التحضيرللولادة…

لقد ظهرت هذه الترسانة من المواقع والتطبيقات والمنصات لتسهيل عمليات التواصل وتبادل الآراء والأفكار بين الأفراد، لتجعل العالم أصغر وتقرّب المسافات، لكن كونها مجّانية وسهلة الاستخدام، أصبحت متاحة أمام الجميع دون شرط أو قيد، وهذا ما دفع بنسبة كبيرة من الناس لاستخدامها بشكل خاطئ. ومرض التقليد النابع من الجهل، قاد نسبة كبيرة من الناس للّحاق بهذا القطار المزيّف لحصد أكبر نسبة “لايكات”، لكن هذه النسبة مهما ارتفعت لن تبلغ إلا محطّة المجهول فقط. فإن مرض هذا الناشط سيحصد الكثير من التأثرالالكتروني لكنه لن يجد من يقف فعلًا بجانبه. وهذا اللايك الذي يخسر حياته من أجله ما هو إلا دَين لردّ الدَيْن. فهذه المشاعر هي مجرد مشاعر افتراضية لا أكثر.

سيف ذو حدّين

نعم وسائل التواصل قدّمت لنا الكثير من الإيجابيات وساعدت في أمور كثيرة في حياتنا، لكنّها في الوقت نفسه تبقى سيفًا ذي حدّين، فسلبياتها لم تعد قابلة للتجاهل، كونها رمزًا للخداع والنفاق والكذب. وفي ظلّ كل ذلك، أليس علينا المحافظة على ذاتنا وعلى خصوصيتنا واستخدام هذه الوسائل للأمور الجادة والمفيدة الذات معنى فقط؟

Next Article:

0 %